تحديات الزراعة السعودية- دعم حكومي وعقبات متزايدة

المؤلف: عبدالله المحيميد09.05.2025
تحديات الزراعة السعودية- دعم حكومي وعقبات متزايدة

يواجه الدعم المقدّم من وزارة البيئة والمياه والزراعة للقطاع الزراعي بعض التناقضات مع التباطؤ الملحوظ في معالجة التحديات الجسيمة التي تواجه هذا القطاع الحيوي. فبينما تعمل الوزارة على صياغة الاستراتيجيات، وتقديم القروض والتسهيلات المالية، وتنفيذ البرامج التنموية المتنوعة، إلا أنها لا تزال مقصّرة في إيجاد حلول جذرية وفعالة للمشاكل الكبرى التي تثقل كاهل هذا القطاع وتعيق نموه وازدهاره.

إن القطاع الزراعي يعاني من سلسلة من العقبات والمشاكل الهيكلية الجوهرية التي تُنذر بتوقف العديد من المشروعات والمزارع عن العمل وإغلاقها بشكل نهائي، بل إن بعضها قد توقف بالفعل نتيجة لهذه الظروف الصعبة. وتتمثل أبرز هذه العقبات فيما يلي:

- الارتفاع المتزايد في تكلفة الوقود السائل وفواتير الكهرباء، إذ شهدت أسعار الديزل ارتفاعاً كبيراً، بالإضافة إلى الزيادة المطردة في فواتير الكهرباء، وهو ما أدى -إلى جانب عوامل أخرى- إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل عام في القطاع الزراعي. ومع التقلبات المستمرة في أسعار المنتجات الزراعية وانخفاضها في كثير من الأحيان، أصبح العائد على الاستثمار في الزراعة ضعيفاً للغاية، ويكاد لا يغطي التكاليف التشغيلية للمزارع والمشروعات الزراعية.

ولا ريب أن معالجة هذه القضية الهامة تقع في صميم مسؤوليات الوزارة، فمن صميم مهامها الأساسية رفع التقارير المفصلة إلى الجهات العليا بشأن أبعاد هذه المشكلة وتأثيراتها السلبية الآنية والمستقبلية على القطاع الزراعي والاقتصاد الوطني، واقتراح الحلول المناسبة والمبتكرة، بما في ذلك اعتماد تعريفة خاصة للمزارعين في أسعار الوقود السائل والكهرباء، بما يتناسب مع طبيعة عملهم واحتياجاتهم.

ممّا يثير الاستغراب أنّ الوزارة تبنت برنامجاً تحت مسمى "إزاحة الوقود السائل" واستبداله بالكهرباء في المزارع، دون أن تولي اهتماماً كافياً بالتبعات الاقتصادية لهذا القرار على المزارعين والمشروعات الزراعية. فعملية التحول من نظام الوقود السائل إلى الكهرباء تتطلب استثمارات كبيرة وتكاليف باهظة يتحملها المزارعون، وكان الأجدر بالوزارة أن تصاحب هذا البرنامج بتقديم تسهيلات مالية للمزارعين، وعلى رأسها تخفيض تعرفة استهلاك الكهرباء. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحل الأمثل والأكثر توافقاً مع رؤية المملكة 2030 هو التحول التدريجي نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة النظيفة، بدلاً من الانتقال من طاقة تسبب التلوث إلى طاقة أخرى مماثلة، فمحطات توليد الكهرباء التقليدية تعتمد على الوقود الأحفوري الذي يساهم بشكل كبير في تلوث البيئة.

- تفاقم ظاهرة التستر التجاري في القطاع الزراعي، فقد أصبح هذا القطاع بيئة جاذبة للمتسترين والعمالة المخالفة. ويعزى ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكلفة المقابل المالي المفروض على العمالة الوافدة، حيث لم تعد بعض المشروعات والمزارع المتوسطة والكبيرة قادرة على تحمل هذه التكاليف المتزايدة التي تصل إلى مبالغ طائلة سنوياً. وهنا أيضاً يبرز دور الوزارة في عرض هذه المشكلة على الجهات العليا واقتراح حلول فعالة ومستدامة، بما في ذلك دراسة إمكانية تحمل الدولة للمقابل المالي للعمالة الوافدة في المنشآت الزراعية، على غرار ما هو معمول به في المنشآت الصناعية. فالمصانع الغذائية التي تعتمد في إنتاجها على المواد الخام الزراعية معفاة من المقابل المالي، بينما المنشآت الزراعية التي تنتج هذه المواد الخام لا يشملها هذا الإعفاء.

- يولي برنامج الوزارة اهتماماً خاصاً بصغار المزارعين، وقد نفذت الوزارة بالفعل العديد من البرامج المتميزة التي تستهدف هذه الشريحة من المنتجين الزراعيين في السنوات الأخيرة. إلا أن هذه الفئة لا تزال تعاني من جملة من المشاكل والتحديات التي تعيق نمو أعمالهم. فبالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الوقود والكهرباء، يمثل التسويق تحدياً كبيراً يواجههم منذ القدم، فالمنتجات الزراعية التي ينتجها المزارع الصغير لا تجد منفذاً تسويقياً مناسباً سوى سوق الخضار المركزي، الذي يشهد في فترات مختلفة من العام انخفاضات حادة في الأسعار، بحيث لا تغطي بالكاد تكلفة نقل المنتج من المزرعة إلى السوق. وقد طُرحت فكرة إنشاء شركة تسويقية متخصصة تمتلك وسائل التخزين والتبريد والإمدادات اللازمة لنقل المنتجات الزراعية بين مناطق المملكة المختلفة منذ سنوات طويلة، ولا يزال المسؤولون في الوزارة يذكرون هذه الفكرة في تصريحاتهم الإعلامية، إلا أنها لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن. وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030، إلا أن هذا الموضوع لا يزال يمثل تحدياً كبيراً. ومما زاد الطين بلة أن الوزارة، من خلال ذراعها التمويلي صندوق التنمية الزراعية، قد توسعت في منح القروض لتمويل نشاط البيوت المحمية، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة الإنتاج في بعض المناطق، وبالتالي انخفاض الأسعار بشكل كبير.

إن مشكلة تسويق منتجات صغار المزارعين تعد معضلة مزمنة ومستمرة، ويتوقع من الوزارة أن تبتكر الحلول والمعالجات المناسبة لها. فالمزارع هو الحلقة الأضعف في سلسلة تسويق المنتجات الزراعية، فبينما يستفيد الدلالون في السوق وبائعو التجزئة للخضار والتموينات الكبيرة من هامش ربح ثابت، يقع المزارع ضحية للأسعار المنخفضة التي أصبحت سمة واضحة من سمات السوق.

إن إنشاء مراكز تسويق وتخزين حديثة للمنتجات الزراعية، ومزودة بسلاسل إمدادات نقل متطورة وخدمات لوجستية متكاملة، يعدّ رافعة أساسية لتنمية القطاع الزراعي. فلا جدوى من دعم المزارع الصغير بالقروض وبرامج الوقاية الدورية، في الوقت الذي يعاني فيه من صعوبة تسويق منتجاته وعدم وجود مشترين لها إلا بأسعار زهيدة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة